جلستْ على مقعد خشبيّ ،
تُحط بها أشجارٌ عارية ،
تحت قدميْها بساطٌ بلونِ الدّمِ و الذهب ،
و شعرُها الغجريّ المائلُ إلى السّواد
تُداعِبُهُ أولى الرّياح ..
حالتها الصحّية المتدهورة كانت تنذر برحيل مرتقب ،
فكانت تفكر في مرحلتها الانتقالية بشجاعة و ثبات كبيرين ،
لكن بطعم مرارة المشاريع غير المنجزة ..
جاء نحوها بخطىً متثاقلة ،
و بهدوءٍ كي لا يوقظ سهْوَها .
لكن خرخشة الأوراق اليابسة ،
أعلنت قدومه قبل وصوله إليها ..
التفتتْ إليه فارتسمتْ على شفتيها ابتسامة
فيها مزيجٌ من السّعادة و الحزن .
سعادة اللقاء الحاصل ،
و حزن الفراق المرتقب ..
كانت تعلم أنّها ذاهبةٌ و مغادرةُ المكانِ إلى الأبد
لأن ذلك كان حتمًا ،
و كان أمرًا مقضيًا ..
وضع ركبتيه على الأرض
و مسك بيديها الناعمتين ،
نظر في عينيها الدامعتين نظرة عميقة
ثم سألها سؤالا مباشرا و كان ردها مباشرا كذلك ..
قال : أحقّاً ما سمعت ؟ هل ستموتين ؟
قالت : نعم
قال بدهشة و ذهول : كيف ؟
هدّأتْ من روعِه و قالت : لا تحزنْ ، كلّنا ذاهبون .
ثم أضافت : هل تعلمْ ماذا بعد اليرقة ؟
قال : فراشة
قالت : أنا الآن يرقة و سأصبح فراشة و أطير في السماء
قال : و تتركينني وحيدا؟
قالت : لا ، بل سأكون معك في كل مكان
قال : و هل بإمكاني التحدث إليكِ ؟
قالت : نعم ، كلما شعرتَ بحاجتك إلى ذلك
قال : و هل سيصلكِ كلامي؟
قالت ، سيصلني بكل تأكيد ..
غاص في تفكير عميق ثم أضاف :
لكن كلامكِ لن يصلني
و سوف لن أسمعكِ بعد أن ترحلي ؟!
قالت و هي تمسح بيدها على رأسه : هو كذلك ، لن تسمع صوتي بأذنيك ،
لكنك ستسمعه بقلبك ، و ستجد مني في قلبك جوابا لكل سؤال تسأله ،
كيف لا و قد اعتدتَ قراءة كل ما في قلبي
فكنت تسبقني في الإجابة على ما كنت أود قوله ،
و كان لسانك يترجم كل ما بداخلي من أفكار .. مممم تذكرت شيئا .
قال : ماذا ؟
قالت : سوف تراني و تسمع صوتي في أحلامك
سوف آتيك كلما أحسستَ بشوقٍ إلى رؤيتي و دفءِ أحضاني ..
خيّم سكوت لِلَحظاتٍ ثم أضافتْ قائلة :
ألم تقلْ يومًا أن الحياة حلمٌ ، فحقيقةٌ ، فحلم ؟؟
قال : بلى
قالت : فهو كذلك ،
كانت حياتنا قبل اللقاء حلمًا ،
فأصبحتْ بعدهُ حقيقةً
و ستعود بعد الفراق حلمًا كما كانت .
قَبْلَ أَنْ تُبْتَرَ بَقَايَا أَطْرَافَ النَّهَارِ
يُخَيِمُ غَضَبٌ صَامِتْ ..!يَكَادُ يَحْرِقُ حُبَيْبَاتِ الْأَملِ الْقَابِعةِ فِي مَسَاءَاتِ الضَّمَائِرِ
وَ يَصْفَعُ الرَّغْبَةَ بـِ خَيْبَاتِ الْفَقْدِ الْمُتَتَالِيةِ
كطفل ٍ مشاكس ٍ أنا..
رشقتُ طائرَ الألم..أصبته مرة ً وأصابني مرات….
ليتني أستطيعُ جلدَ اللوعةِ وطعن الحرقةِ بألف خنجر..
ملامحي تذبل داخلي..جروحي تكبر..والزمنُ سيَّافٌ يواصل كسري..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق