الجمعة، 12 فبراير 2010

الثاكي حركة سرية غاية في الشراسة

خليط من الناس و الاديان اندمجوا في منظمة اجرامية لم يعرف لها التاريخ مثيلا ، عدهم البعض طائفة قائمة بحد ذاتها ، افرادها مجرمون بالفطرة يولدون و يعيشون لهدف واحد و هو القتل و بدون اي رحمة ، اساليبهم و طرقهم في اغتيال الناس شيطانية لا تخطر على بال ادهى الناس ، فهم يتلونون بمئة لون و يبدلون اشكالهم و هيئاتهم بأستمرار لكي يتمكنوا من الوصول الى رقاب ضحاياهم ، انهم قتلة مجرمون فاقوا بعدد ضحاياهم اي منظمة ارهابية و اجرامية اخرى عرفها التاريخ ، تعال معنا عزيزي القاريء للتعرف على منظمة او طائفة الثاكي "Thuggee" الاجرامية و تأكد بأنه اسم لن تنساه بسرعة.

عشرين رجلا منهم قتلوا 5200 انسان !!!


 صورة تعود لعام 1863 و تصور مجموعة من رجال الثاكي الهنود و هم جلوس في احد منتدياتهم ، انظر لهم جيدا عزيزي القاريء ، يا ترى كم عدد الضحايا التي قتلها كل منهم ؟

الثاكي "Thuggee" هي منظمة اجرامية نشطت في الهند حتى منتصف القرن التاسع عشر و منها جاءت كلمة "Thug" في اللغة الانكليزية و معناها السفاح او السفاك ، يعتبرها البعض طائفة او قبيلة رغم ان افرادها ينتمون الى مختلف القوميات و الاديان ففيهم الهندوسي و المسلم و السيخي الا ان غالبيتهم ينتمون الى طائفة من الهندوس تعبد الالهة الهندية كالي و هي الهة الزمن او الموت و التي تصور دائما و هي تضع حول رأسها اكليلا من الرؤوس البشرية ، افراد الثاكي يتقربون الى هذه الالهة بقتل البشر و لكن يبقى الهدف الحقيقي لأغلب اعضاء الطائفة هو المال و الغنيمة.

نشطت هذه الطائفة في الهند منذ القرن السادس عشر و انتشرت في اغلب مناطق الهند و قد حاول العديد من الولاة و المهراجات محاربتها و القضاء عليها الا ان جميع تلك المحاولات باءت بالفشل بسبب الحيطة و الحذر الشديدين المتبعين من قبل افراد الطائفة اضافة الى السرية التامة التي تحيط نفسها بها ، فمن النادر جدا ان يعترف شخص من الثاكي بجرائمه او ان يشي برفاقه كما انه من النادر ايضا ان يبقى الثاكي على اي اثر لجريمته فهم بارعين جدا في اخفاء معالم الجريمة بحيث يصعب العثور على اثر لها.

لقرون طويلة اثارت هذه المنظمة الخوف و الرعب في قلوب الناس و خصوصا اولئك المسافرين لمسافات طويلة و الذين كانوا يعتبرون الصيد الرئيسي لأفراد الثاكي ، و اكثر ما كان يثير الهلع هو اساليب الثاكي الشيطانية في خداع ضحاياهم ، فالأعمال و المهام موزعة بشكل دقيق بين اعضاء المنظمة لتنفيذ خططهم الجهنمية ، الخطوة الاولى تكون للأفراد الذين يعملون كعيون و جواسيس و وظيفة هؤلاء هو ان ينتشروا في النزل و الخانات و المطاعم و المقاهي لجمع المعلومات عن القوافل و المسافرين و تحديد الغنيمة التي سوف يهاجمها افراد الثاكي ، كانوا يبحثون عن المسافرين الاغنياء من التجار و رجال الدولة و كانوا يستعملون مختلف الوسائل للتلصص على المسافرين ، فربما يندسون في الحانات على شكل متسولين او يتكوموا في احد زوايا المطعم او الحانة كسكارى ثملين او مرضى معدمين و ذلك لكي لا يجلبوا الاهتمام اليهم و يصغوا بأهتمام لكل كلمة يتبادلها المسافرون و التجار فيما بينهم ، و ما ان يتم جمع المعلومات و تحديد القافلة او المسافرين الذين سيتعرضون لهجوم المنظمة حتى تبدء الخطوة الثانية و يقوم بها افراد اخرون وظيفتهم الاساسية هي الاندساس بأي وسيلة كانت داخل القافلة او مع المسافرين و كسب ثقتهم ، كان افراد الثاكي يتلبسون بمختلف اللبوس و الاشكال لكسب ود و ثقة المسافرين ، كانوا يظهرون بشكل تجار او رجال دولة او حجاج و رجال دين من البراهمة او حتى بشكل اناس بؤساء برفقة نسائهم و اطفالهم بحاجة للمساعدة و الحماية ، و ما ان يندسوا وسط المسافرين او القافلة حتى يبدؤا بالعمل لتنفيذ الخطوة التالية و هي التحضير لساعة الصفر او الانقضاض و بالتنسيق مع مجموعات اخرى من الثاكي كانت ترافق القافلة و المسافرين من بعيد و تراقب بأنتظار اشارة من رفاقهم داخل القافلة للهجوم و كانوا يحرصون اشد الحرص على ان لا ينتبه اليهم احد من افراد او حرس القافلة حتى تحين ساعة الصفر.

الثاكي كان لديهم مناطق او نقاط معينة تسمى "بيلي" غالبا ما يقومون بالقتل فيها لأنهم يعلمون جميع مسالكها و خفاياها و تكون مناسبة لقتل ضحاياهم و اخفاء جثثهم بدون ان ينتبه اليها احد ، و ما ان يصلوا الى احدى هذه النقاط حتى يستعد الثاكي للقضاء على رفاق السفر ، عادة ما يهاجمون ليلا و يتعمدون القيام بالغناء او عزف الموسيقى و اصدار ضجة ما لكي يجلبوا انتباه المسافرين و حرس القافلة و يلهوهم عما يدبر لهم في الخفاء ، في هذه الاثناء يبدء افراد الثاكي ممن هم خارج القافلة بالتسلل اليها بحذر و تبقى مجموعة منهم محيطة بالقافلة من كل جانب لكي لا يهرب اي شخص منها ، طريقة القتل لأفراد الثاكي هي واحدة لا يحيدون عنها فكل فرد من افراد الطائفة البالغين يلف قطعة من القماش صفراء اللون على عضده و يخفيها تحت الملابس و تسمى "رمال" و حين يحين وقت القتل فأنه يسحبها بهدوء و يمسكها بكلتا يديه ثم يقترب بخفة و هدوء و دون ان يصدر اي صوت نحو ضحيته من الخلف و ما ان يقترب منه بالقدر الكافي حتى يلف قطعة القماش حول رقبته بشكل لا يمكن الفكاك منه ثم يبدء بخنق الضحية بكل قوته و لا يتركه الا جثة هامدة ، في العادة يتعاون اثنان او ثلاثة من الثاكي على قتل رجل واحد ، احدهم يقوم بالخنق اما الثاني فيمسك برأس الضحية و يسحبه للامام لتسريع موته و الثالث يمسك بقوة بكلتا رجلي الضحية لكي يمنعه من المقاومة و ما ان تنتهي عملية قتل المسافرين و سلبهم حتى تبدء الخطوة الاخيرة في خطة الثاكي و هي اخفاء جميع اثار الجريمة بشكل دقيق و متقن و الهدف من ذلك هو عدم اثارة السلطات و الحكومات اليهم و كذلك عدم اخافة بقية المسافرين و القوافل فيصبحوا اكثر حيطة و حذرا ، اضافة الى هدف الطائفة الرئيسي بأحاطة نفسها بالسرية التامة لذلك يقوم افراد مختصون و محترفون من الثاكي بدفن الجثث في قبور جماعية متقنة او اخفائها في بعض الكهوف المنعزلة او الابار المهجورة لأخفاء جميع معالم الجريمة و الى الابد.

 في بعض الاحيان كان الثاكي يتظاهرون بأنهم مجموعة من المسافرين و يغرون المسافرين المنفردين من التجار الاغنياء بالسفر معهم ثم يقتلوهم و يستولون على اموالهم اثناء الطريق و ربما تكون هذه الصورة الهندية ابلغ مثال على طرقهم و اساليبهم في خداع ضحاياهم

الثاكي كان لديهم اعرافهم و قوانينهم الخاصة بهم و بعضها مرتبط بعقائدهم الدينية و حسب هذه القوانين يمنع قتل المغنين و الراقصين و النجارين و العمال و الكناسين و بائعي الزيت و الحدادين و كذلك النساء ، الا ان الالتزام بهذه القوانين لم يكن معمولا به دوما ، فأحيانا كانوا يقتلون النساء الموجودات في القافلة حتى لا يبقوا شاهد على جرائمهم ، كما ان الكثير من افراد الثاكي ليسوا سوى لصوص و قتلة و لا تهمهم المباديء او القوانين بقدر اهتمامهم بالمال و الغنيمة. و بالنسبة للأطفال المسافرين مع القوافل فأحيانا كان يتم الابقاء على حياتهم و يأخذون ليعيشوا مع عوائل الطائفة ليصبحوا ثاكي مستقبلا ، كان يشرعون بتعليم الاطفال على اساليبهم منذ سن العاشرة و لكنهم لا يسمحون له بالقتل مالم يبلغوا سن الثامنة عشر اما قبل ذلك فهم يسمحون له بمشاهدة عمليات القتل من بعيد فقط لكي يقسو قلبهم و يتمكنوا من خنق ضحاياهم بسهولة في المستقبل.

احيانا يستعمل الثاكي النساء للأيقاع بضحاياهم و خاصة في حالات المسافرين قليلي العدد ، كانوا يستعملون النساء و الفتيات الجميلات اللواتي كن يتظاهرن بتعرضهن لحادثة او انهن ضائعات و منهكات القوى و عندما يقترب المسافر المسكين من الفتاة و يحاول مساعدتها تقوم هي بمشاغلته حتى تحين اللحظة المناسبة فتقوم بلف الـ"رمال" حول رقبته على حين غرة و يهرع لمساعدتها زملائها المختبئين بمكان قريب و يتم قتل الضحية.

نهاية الثاكي


بين عامي 1830 – 1840 قامت القوات البريطانية ، المحتلة للهند في ذلك الوقت ، بأنشاء قوى الشرطة الهندية كما قاموا بأستخدام الاساليب الصارمة في تتبع المجرمين و اخذ الاعترافات منهم و تم القاء القبض على الاف الثاكي و اعدام المئات منهم ، و قد قام الضابط البريطاني وليم ساليمان بأستخدام اساليب تشبه اساليب الثاكي انفسهم للأيقاع بهم ، فقام في احدى المرات بتجهيز قافلة كاملة من الشرطة المتخفين بشكل تجار مسالمين و استعملهم كطعم للأيقاع بالثاكي الذين كانوا عادة ما يهاجموا القوافل الغنية و قليلة التسليح.

مع ازدياد اعداد الثاكي الذين تم القاء القبض عليهم بدأت تتكشف شيئا فشيئا المزيد من اساليب و طرق المنظمة المرعبة ، احدى خلايا المنظمة المكونة من 20 رجلا اعترفوا بقتل 5200 رجل خلال سنوات عملهم في المنظمة و احد زعماء الثاكي اعترف بقتله لـ 931 رجلا خلال 40 سنة (رقم لم يصله اي قاتل متسلسل في التاريخ) ، و هكذا شرعت الشرطة بمسك و جمع المزيد من الخيوط حول المنظمة و تم القضاء عليها بالتدريج.

بحلول عام 1870 تم القضاء على الثاكي نهائيا و تخليص الناس من شرهم على رغم ان بعض المؤرخين الهنود يقولون ان القوات البريطانية المحتلة استعملت خطة القضاء على الثاكي لتعزيز نفوذها في الهند كما استعملتها للقضاء على الكثير من المعارضين بحجة انتمائهم للثاكي ، فهناك عوائل كاملة تم القاء القبض عليها و اعدام عدد من افرادها للأشتباه بأنتمائهم للثاكي حتى ان البعض شبه العملية كمطاردة الساحرات في اوربا في العصور الوسطى.

يبقى ان ننوه اخيرا بأن في تاريخنا العربي عدة امثلة على منظمات مشابهة و خارجة عن القانون و ربما يكون اكثرها شبها بالثاكي هم جماعة الصعاليك في الجاهلية بقيادة الفارس و الشاعر "عروة بن الورد العبسي" ، الا انه للأمانة و التاريخ فأن صعاليك العرب كانوا اكثر نبلا و شهامة من "ثاكي" الهنود من عدة نواح ، فصعاليكنا كانوا يأخذون من الغني ليعطوا للفقير و ينصرون الضعيف على القوي و يحمون المنبوذين و المطرودين من القبائل الاخرى كما لم تكن شيمتهم الغدر و ربما لنا عودة لهم في مقالات مستقبلية و ان كنا نتفادى الخوض في المواضيع العربية (على كثرتها و غزارتها) و ذلك لأسباب شتى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق