لعبة الموت.. من يخسر يفقد حياته !!
في عالم اليوم , هناك عدة العاب رياضية تعتمد على لعب الكرة , ربما كانت السلة و القدم اشهرها و اكثرها شعبية , و قد يعلم اغلبنا بأن كرة القدم العصرية نشأت في انكلترا في القرن التاسع عشر , لكن هل تعلم عزيزي القاريء بأن شعوب الهنود الحمر هم اول من لعب بالكرة , و ان الفريق الخاسر في المباراة كان يتم قتلهم و التضحية بهم للألهة , تعال معنا لتتعرف على لعبة الموت , لعبة من يفقد الكرة فيها يمكن ان يفقد حياته معها!!
آلاف الرؤوس البشرية كانت تزيين اطراف الملعب!! في الاعلى الى اليسار منحوتة برونزية اثرية تعود لحضارة الازتك و تصور احدى مباريات الكرة و الى اليمين صورة لأحد الملاعب الحجرية و الى الاسفل صورة تمثل التضحية باللاعب الخاسر بالمباراة حيث يشاهد وسط الصورة اللاعب المنتصر و هو يرفع رأس اللاعب الخاسر |
في عام 1519 زحف القائد الاسباني كورتيز بجيشه الصغير داخل اراضي امبراطورية الازتيك الشاسعة متوجها صوب العاصمة تنوشتيتلان (حاليا مكسيكوستي عاصمة المكسيك) , و بدئت مدن الازتيك العظيمة تسقط الواحدة تلو الاخرى بسهولة حيرت المؤرخين , و ربما كان لأساطير الازتيك و معتقداتهم دور كبير في هذا السقوط المروع الا ان ذلك موضوع اخر قد نتطرق اليه في مقال قادم. و خلال رحلتهم تعرف الاسبان على الكثير من معالم حضارة شعب الازتيك و طقوسهم و عاداتهم و التي لم يكونوا قد شاهدوا مثيلا لها قبل ذلك , و ربما تكون احدى تلك المعالم التي اثارت استغراب الاسبان هي ملاعب حجرية ضخمة انتشرت على طول امبراطورية الازتيك و عرضها , كانت تقام فيها مباريات للعبة ( Ballgame ) تلعب بواسطة الكرة و يحضرها عدد كبير من المتفرجين من اجل المشاهدة و التشجيع في منظر هو اشبه بما نشاهده اليوم في ملاعب كرة الطائرة او السلة , لكنها تختلف عن العاب الكرة الحالية في طريقة اللعب و في ان لها جانب ديني اضافة الى الجانب الترفيهي , و لعل ما كان يحدث في نهاية هذه المباريات هو اكثر ما اثار استغراب و استهجان الاسبان , فأعضاء الفريق الخاسر كانوا يمسكون جيدا بواسطة الكهنة ثم تفتح صدورهم و يقوم احد الكهنة بأنتزاع قلوبهم من مكانها و يرفعها بيده نحو السماء و هي لازالت تنبض في طقوس لها علاقة بعبادة اله الشمس.يعتقد العلماء بأن اصول اللعبة تعود الى حضارة الاولمك في امريكا الوسطى او ما يعرف تاريخيا بمنطقة الميسوامريكا , و يعود تاريخ اقدم ملعب حجري اكتشفه العلماء الى عام 1400 قبل الميلاد و عثر علماء الاثار على العشرات من الملاعب الاخرى منتشرة في الكثير من المدن التي تعود لحضارات و حقب زمنية مختلفة كحضارة المايا و التولتك و الازتيك , بعض هذه الملاعب لا يتجاوز حجم ساحة صغيرة للعب الكرة الطائرة و اخرى عملاقة يصل طولها قرابة المئة متر و عرضها الثلاثين متر , و يتكون الملعب من جدارين متوازيان يحدان الملعب افقيا من اليمين و اليسار و يتخذان شكلا مائلا , اضافة الى جدارين اخريان يغلقان كل من نهايتي الملعب و تفصلهما مسافة قصيرة عن الجدارين الافقيين بحيث يكون شكل ساحة اللعب مشابها لشكل حرف ( I ) الانكليزي , و في عهد المايا اضيفت الى اللعبة اهداف على شكل دائرة حجرية تعلق على كل من طرفي الملعب بشكل مشابه الى اهداف لعبة كرة السلة و لكنها تختلف في ان الهدف يعلق بشكل عمودي و ليس افقي كما انه يرتفع عن ارضية الملعب الى قرابة الستة امتار و هو علو شاهق مما يجعل تسجيل الاهداف عملية صعبة و نادرة على عكس تلك المسجلة في كرة السلة. بالنسبة للكرة المستعملة في اللعب فقد كانت تصنع من المطاط الطبيعي و لكنها لم تكن مجوفة , فقد عرف الامريكيون القدماء استخلاص المطاط الطبيعي من شجرة المطاط (Para rubber tree ) و لكنهم لم يستعملوه بشكل واسع , و يرجح الباحثون ان كرة المطاط كانت بقطر 20 سنتمتر تقريبا و بوزن يتراوح بين 3 الى 4 كيلوغرامات و هو وزن ثقيل قياسا بأوزان كرات اليوم فهو على سبيل المثال اثقل بخمسة عشر مرة من وزن الكرة المستعملة في لعبة كرة الطائرة.
بالنسبة لقواعد اللعبة فهي غير معروفة على وجه الدقة و لكن الباحثون يحاولون تكوين صورة عنها عن طريق كتابات المؤرخين الاسبان الذين عاشوا في ارض الازتيك خلال القرن السادس عشر و اغلبهم من الرهبان الكاثوليك الذين جلبوا من اوربا لحمل الازتيك على التحول الى المسيحية مما جعل عملهم يتطلب الاختلاط بالسكان المحليين و هو الامر الذي اعطى لكتاباتهم اهمية كبيرة لأنها اصبحت الشاهد الحي الوحيد على ما كان عليه شعب الازتيك و على طقوسهم و عاداتهم , و رغم ان اغلب تلك الكتابات كانت متعصبة تصف شعب الازتيك بالبربري و الوثني المتوحش , غالبا بسبب طقوس التضحية البشرية و لدفع الناس الى بغض ماضيهم الوثني لغايات تبشيرية , الا انها لم تخلوا من بعض الشهادات المنصفة التي روت عن عظمة امبراطورية الازتيك و رقيها الحضاري , و حسب بعض تلك المخطوطات التاريخية , فأن لعبة الكرة الازتكية كانت تلعب على شكل فريقين تنتقل الكرة بينهما و يخسر الفريق نقطة اذا لم يتمكن اللاعب من رد الكرة بأقل من حركتين او ان تخرج الكرة خارج الملعب او ان تدخل الكرة الى مرماه الحجري المعلق على الجدار , و كان اللاعبون يتناقلون الكرة عن طريق ضربها بأوراكهم في حركات رشيقة و سريعة , كما يعتقد العلماء بأن اللاعبين كانوا يستعملون ايديهم و اقدامهم في بعض الاحيان لضرب الكرة و كانوا احيانا يستعملون العصي في حركات هي اشبه بتلك المستعملة في لعبة كرة المضرب و كانوا يرتدون ملابس جلدية سميكة حول خصورهم اشبه بالواقيات العصرية بسبب ثقل الكرة المستعملة باللعب , فهي و حسب شهادة بعض المؤرخين الاسبان , كانت تسبب جروحا و رضوضا مؤلمة و احيانا كانت تؤدي الى الموت اذا اصابت اللاعب في وجهه او معدته. و كان الازتيك يعلمون اطفالهم اللعبة منذ الصغر حيث كانت تحظى بشعبية كبيرة فيحضرها عدد كبير من المتفرجين و كان بعض اللاعبين يبرزون في اللعبة فيصبحون كالمحترفين و تدر عليهم الشهرة و الثروة كما في العاب الكرة الحديثة , و اضافة الى المصادر الاسبانية عن اللعبة فهناك ايضا الكثير من الشواهد الحجرية التي تحيط بمعابد الازتيك و ملاعبهم الحجرية التي تصور ملابس اللاعبين و شكل الكرة و طريقة ضربها و لعبها , اضافة الى مشاهد دموية لعملية التضحية البشرية التي كانت تمارس احيانا عند انتهاء المباراة. العلماء و الباحثون اليوم يعتقدون بأن لعبة الكرة الامريكية القديمة كان لها غايات عسكرية و اجتماعية و دينية اضافة الى الرياضة و الترفيه , فهي كانت تقوم احيانا مقام المحاكم في الفصل بين المتخاصمين و ذلك عن طريق اقامة مباراة بينهم , و احيانا كانت تصبح وسيلة فعالة لمنع الحروب حيث تتحول ساحة الحرب الى ساحة للعب الكرة تقرر نتيجتها من هو المنتصر و من هو الخاسر , و هناك روايات تاريخية عن مباراة جرت بين احد الملوك و ثلاثة من منافسيه بحيث يصبح الفائز هو الحاكم على الجميع , اضافة الى هذا فقد كان للعبة جانب رئيسي اخر و هي الجانب الديني , فالمايا كانوا ينظرون الى اللعبة على انها حرب بين الهة العالم السفلي مع بقية الالهة اما الازتيك فكانوا يعتبروها معركة بين قوى الليل متمثلة بالقمر و النجوم ضد قوى النهار المتمثلة بالشمس , و لهذا السبب كانت المباريات عادة ما تنتهي بطقوس التضحيات البشرية , فكان الخاسرون يتم قتلهم بواسطة الكهنة او لاعبوا الفريق المنتصر فتنتزع قلوبهم و تقدم كهدية الى اله الشمس و تقطع رؤوسهم و تعلق على اوتاد هيكل الـ (Tzompantli ) الخشبي الذي كان يستعمل لتعليق جماجم و رؤوس قتلى التضحيات البشرية و الاسرى , و حسب بعض المؤرخين الاسبان فأن ملعب الكرة الرئيس في عاصمة الازتيك كان محاطا بحوالي 60000 رأس بشري , و يرى الباحثون ان اللعبة كانت تمثيلا لعمليات الكر و الفر في ساحة الحرب و غالبا ما كان يتم التضحية بالأسرى فيها , الا ان هذا لا يعني بأن التضحية البشرية كانت ترافق جميع المباريات حيث ان الاعتقاد السائد هو ان التضحية كانت ترافق المباريات التي تقام للفصل في الخلافات القائمة بين المدن حيث كانت اللعبة تقوم مقام ساحة المعركة و ذلك حقنا للدماء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق